الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن جزء 3

9 06 2022

‫الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن المجلد الثالث: من سورة 10/ يونس – 15/ الحجر جمع ودراسة جمال عمر‬ 

تقدمة
-1-

منذ سنة ثلاثة وتسعين من القرن الماضي وأنا أبحث عن قصة محمد أبي زيد الدمنهوري، ليس عن قصة التفريق بينه وبين زوجته سنة 1918، ثم رد المحكمة الشرعية العليا الحكم. بل اهتمامي كان بأن محمد أبوزيد كان قد أصدر تفسيرا عام 1930 بعنوان “الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن”، وقد تم مهاجمة التفسير من قِبل مشايخ ودعاة، وتمت مصادرة الكتاب. ليختفي من المشهد العام. وليتجدد عندي البحث كل فترة عن هذا التفسير، وكان قد أعاد الأستاذ محمد حربي نشر حوار من أرشيف جريدة الأهرام قد أجرته الجريدة مع مؤلف التفسير عام 1931، وقدم له تقدمة.
لكن مع فورة ثورة التواصل والتشارك عبر قارة النت خلال العقدين الماضيين، فقد ظهرت نسخ من هذا التفسير كانت موجودة بالهند، وتم توفيره كملف مصور علي النت.
فأنزلت الملفات وجلست اتدارسها، فوجدت أن أبا زيد الدمنهوري قد أتى بنسخة مصحف كاملة كما هيه وعلى هامشها يكتب تفسيره، الذي هو عبارة عن مقدمة قدم بها، ويكتب في التفسير على الهامش عود إلى الآيات كذا وكذا من سورة كذا، وأحيانا يضيف عبارة “لتجد أن”، ويعطي معنى كلمة أحيانا، أو معنى في سطر واحد.
ومن الصعب أن تصل إلى معنى لكلامه، حقيقي، بدون أن تأتي بالآيات التي أشار إليها وتضعها بجانب بعضها، وتربطها بالآية التي يحاول أن يشير إلى معانيها. بعبارة أخرى، طريقة بناء الكتاب لا تكشف عن معاني كثيرة لهذا التفسير.
ففي حبسة وباء كرونا أنفقت الحبسة في محاولة جمع هذه الآيات التي يشير إليها التفسير عند تفسير كل آية، عملية كانت صعبة لأنه أحيانا يشير إلي سور طوال بكاملها دون أن يحدد آيات معينة فيها، أو أحيانا يشير إلى بداية سورة كذا أو نهايات سورة كذا دون أن يحدد آيات أيضا. لكن حاولت أن أضع نص الآية التي يتم تفسيرها، وكلام محمد أبو زيد فيها، مما جعلني أعيد كتابة كل ما كتب، ثم اضع في هامش تحتها كل الآيات الأخرى التي أشار إليها في تفسيره، بحيث يستطيع القارئ أن يرى العلاقات التي يُقيمها التفسير بين جوانب القرآن.
فوصل التفسير إلى عشر مجلدات. هي عبارة عن إعادة كتابة آيات المصحف مرات مختلفة. وقد وضعتها بهذه الطريقة، لكي أفرًّق بين جهد محمد أبوزيد وبين إضافتي لما كتب، احتراما للنص ولمؤلفة، وحين عرضت الأمر على أصدقاء، فكان الاقتراح أن أنقل الآيات من الهامش لمتن الكتاب، وأن أذكر ذلك في المقدمة فسوف يفرق القراء بين ما كتب أبوزيد وبين ما أضفته أنا، وأن هذه الطريقة سوف تُسهل على القراء التواصل مع المعنى. وقد حبذت هذه الفكرة، وآثرت أن أجعل ما كتب أبوزيد بخط سميك، وما أضفته يكون بخط أرفع منه، وبهذا يُدرك القاريء.
الطريقة الأخرى آثرت أن أضع نصوص آيات المصحف بدون حركات الإعجام وحركات الإعراب، فهذا ليس نص مصحف، يتم الاعتماد عليه في التجويد، بل مجرد إشارة إلى الآيات من أجل الدرس، ورقم السورة واسمها ورقم الآيات مذكورة فيستطيع من يريد أن يعود للنص أن يعود له في نسخة مصحف. وأعدت كل العمل مرة أخرى من جديد. وفي حالة استشهاد المُفسر بسورة طويلة، دون تحديد آيات معينة، فأشير إلى السورة في الهامش، حتى لا يطول الأمر كثيرا جدا.
وآثرت أن أضيف لمجلدات تفسير محمد أبوزيد كتاب يكون بعنوان “كبت الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن”، يكون بمثابة دراسة نقدية للتفسير وجوانبه، ووضعه في سياق عملية التحدي الحضاري التي دخلت فيها شعوب المسلمين، تحت تأثير المواجهة مع الحداثة الغربية خلال القرون الثلاثة الماضية، ولماذا الاتجاه لتفسير القرآن بالقرآن؟ ليس فقط داخل مجال تفسير القرآن عند المسلمين، بل في التعامل مع تراث المسلمين الديني والمعرفي ككل. بل وربط كل هذا بتجربة محمد أبوزيد الدمنهوري الشخصية وحياته، سواء في قضيته الأولى في المحكمة الشرعية والتفريق بينه وبين زوجته حول موضوع نبوة آدم، أو مصادرة التفسير ومهاجمته في بدايات الثلاثينات من القرن الماضي.
دراسة كل ذلك في سياق عملية دراسة تاريخنا الثقافي من خلال تجربة أبو زيد في الهداية والعرفان، كنموذج تطبيقي آخر للنهج العلائقي في دراسة الظواهر الفكرية والثقافية في ثقافتنا. وأتمنى أن تكون هذه خطوة آخرى. في طريق وعي حي يحاول إدراك الظواهر في تعقدها وفي تعلقها مع مكوناتها الفاعلة فيها ومع الظواهر الأخرى المؤثرة فيها وفي تشكِلها.
يا مسهل.

جمال عمر


إجراءات

Information

أضف تعليق