شهر إبراهيم أصلان… بقلم بهاء حسيني

7 07 2022

العدد الأول من مجلة تفكير

في طفولتي كان والدي يعمل مديراً لأحد مكاتب البريد في القاهرة..وكانت متعة كبرى لي لما اروح معاه المكتب بيبقى يوم استثنائي ….وفي شهر عمنا إبراهيم أصلان وعلى هامش نصة البديع وردية ليل أهدية هذه المقطوعة ….( ذكريات على دفتر الطفولة ) … :
تغيرت الصورة على الجدران خلف والدي …ولم اهتم …تأملتها كالعادة مستحضراً الشكل الذي اراه في “التلفزيون” دائما …أجل هو … رئيس الجمهورية …هذا الذي يتكلمون عنه في كل البرامج والنشرات …نعم هذا هو …الأهم …الأقوي …الكبير…المهاب …الخ الخ …انقل النظر بين الصورة …وابي الجالس تحتها لحظات ….وأبتسم متابعاً لعبتي الأثيرة بعد ” معاكسات التليفون “ ممسكا الختم الأسود والأحمر لشعار الجمهورية …واكمل الختم بهما على دفتر الأذونات الفارغ لاهياً بقضم قطعة ” شيكولاتة ” قدمها لي عمو ” فايز ” …و يقاطع نظراتي المختلسة لتلك الموظفة ذات الملامح الملائكية صوت عمو ” فريد ” ياريس اليومية جاهزة خلاص تؤمر بحاجة . …لا اسمع رد والدي …فقط ..تعاودني الإبتسامة وانقل عيني للصورة المعلقة على الحائط ووالدي الجالس منهمكا في مطالعة ما امامة من اوراق متفحصاً الكلمة في راسي الصغير ” ياريس ” …. اعود الى الأختام وقبل ان اطبع الخاتم الاحمر بقوة هذه المرة لا اعرف مصدرها ..انادي ابي ويدي في الهواء …بابا….فيرد نعم دون ان يرفع عينه عن الاوراق امامه ….اسكت ولا اكمل فلم يكن لدي ما اقول …فقط ربما اردت ان اتأكد من انى …ابن ” الريس ” …يهوي الختم الاسود على اخر بقعة لم يلونها الحبر في الصفحة …فانتبه الى ان راحة يدي ملئها الحبر ولابد من غسلها في الحمام الذي به ذاك القدر المغلي دائما من القار لزوم تشميع الخزانات الضخمة في نهاية اليوم …ولاول مرة لا اخاف الأتساخ …او التأنيب …فأنا في حضرة الرئيس …الرئيس الذي أحب ….. أبي

-2-

داود عبد السيد فيلسوف بدرجة مخرج … عشان كده لغته السينمائية خاصة جدا قد ماهي سهلة قد ماهي معقدة وفلسفية لدرجة مدهشة عشان كده مش غريب انه بيكتب او بيشارك في كتابة سيناريوهات اغلب افلامه ومن المرات القليلة الي داود يقرر يعمل عمل ادبي فيلم سينما وده يمكن لان العظيمين ابراهيم اصلان وداود عبد السيد كلاهما في مشترك بينهم مهم …فعمنا ابراهيم اصلان الناس العادية هم من يعنوه تماما كعمنا داود كلاهما معنى بالغوص في اعماق الانسان المصري واستخراج مابه من درر ربما تجرح وربما تلهم لكن كلى المبدعان رغم اختلاف المجال هذا في الادب وهذا في السينما يراهنون على البسطاء لا يطنطون ادبيا او سينمائيا بشعارات براقه ولا تشغلهم معارك نقدية او حسابات تجارية كل منهما يكتب بدمه لا بقلمه او كاميرته …وفي تحفة الكت كات اضاف داود للنص من ابداعه ليس تكلفا او عنوة لكن لان مالك الحزين الذي سرد عنه وعنا ابراهيم اصلان تربه خصبه رحبه تحتمل المزيد والمزيد من الرؤى والابداع المضاف …قطعا لن اطيل الحديث عن جماليات فيلم الكيت كات ولن انزلق لمناقشة موقف داود الاخير باعلانه اعتزال الاخراج احتراما لابداع ابراهيم اصلان الذي يحتاج ادبه للكتابة عنه بشكل اكثر تفصيلا واهتمام …لكن قولت اهو نسخن مع ابو كريم في شهر ابراهيم اصلان … ويا مسهل.





وراء السرد الأصلاني… بقلم أحمد خفاجي

6 07 2022

العدد الأول من مجلة تفكير

في كل القصص التي قرأتها لأصلان.
ألمس هذا الخيط الحريري الرقيق، الفولاذي شديد الصلابة:
الكلمات و الجمل وهي تحاول الإمساك بكل تفصيلة ذات مغزى
ما تعجز الكاميرا أو ريشة الرسام عن القيام به.
نمط التداخل في الحوار و السرد.
و كأنك تنظر بأربع أعين أو خمس.
اقتناص اللحظة في أوج اشتعالها.
و الولوج منها -عبر تفاصيل ذات دلالة- إلى آفاق أرحب
لمن كانت لديه القدرة و عنده الاستعداد للغوص وراء السرد الأصلاني
و أنا أقرأ لأصلان، كثيرًا ما استوقفني وصف بعضهم للفن و كأنه مجرد شكل من أشكال التسلية، و المعرفة فيه ليست سوى رشة ملح، لكنها ليست هدفًا ولا غاية.
سُحقًا: أي علم و أية فلسفة لديها القدرة على الولوج إلى مكنونات النفس البشرية كالأدب، و القصة منه في مكان القلب؟!
ألم تر كيف كان فرويد و من أتى بعده من “علماء” النفس عالة على ديستوفسكي و شكسبير و سوفوكليس ؟
ألم تُطالع كيف كانت روايات الخيال العلمي جسرًا عبَر بكارل ساجان -كما وصف-إلى رحاب علم الفلك؟
ثمة خيط إنساني هنا، كخيط أصلان في سرده، يجمع بين العلم و الفلسفة و الفن.
“الإنسان” حيًا، و حالمًا، و متأملًا و..متألمًا كذلك.
فمن رحم المعاناة يُولد المعنى
تحية لأصلان و فنه و سرده الأصيل





حجرتين وصالة موسيقى النهايات عند إبراهيم أصلان.. بقلم أكمل صفوت

2 07 2022

العدد الأول من مجلة تفكير

قرر إبراهيم أصلان أن يلحق إسم مجموعته القصصية “حجرتين وصالة” ب “متتالية منزلية” وأظن أنه يقصد أن يشير إلى قالب “المتتالية الموسيقية” الذى تكون فيه المقطوعة الواحدة مكونة من مجموعة من الرقصات المنفصلة التى يربطها نفس الإيقاع أو النغمة.
حجرتين وصالة متتالية موسيقية بالفعل لإنها عمل روائى واحد ومتماسك ولكنها كذلك ٢٨ قصة قصيرة مستقلة. بعدما قرأت الكتاب لأول مرة صرت التقطه من آن لآخر وأفتحه على أي من فصوله لأقرأه ثم أعيده مستكفيا بتلك الجرعة من الشجن الخالص. بالنسبة لى، لا يوجد كتاب آخر به تلك الخاصية الا المرايا لنجيب محفوظ.
الأستاذ خليل يصل سن المعاش، يتزوج ابناؤه ويغادرون البيت ويبقى وحده مع إحسان زوجته فى شقتهم المكونة من حجرتين وصالة. متتالية أصلان إذا ليست عن مكان بل عن نقطة فى الزمن، وفصولها تصف لحظات التداعى المفاجئ المصاحب للنهايات، والنهايات التى تأتى فجأة فتتداعى معها التفاصيل الحميمة للحياة.
الأستاذ خليل يفاجئه إنه أصبح أقصر من إبنه، ويستغرب هذا العجوز الذى يراه فى مرآه الدولاب، تأتيه مكالمه من صديق لايذكره، كما أنه “كانت لديه قيلولة يأخذها بعد تناوله الغذاء، أما الآن فهو يأخذ القيلوله عدة مرات سواء فى النهار أو فى الليل ، أحيانا يقوم منها دون أن يعرف إن كان قد نام فعلا أم هيئ له”. يتأمل طاقم أسنانه فى الكوب كأنه يراه لأول مره ثم يخفيه وراء مرآة الحمام ثم لا يستخدمه أبدا. كما أنه ظن فجأه أن رجله الشمال اطول من رجله اليمين.
حجرتين وصالة رواية عن التيه، وكيف يصبح فيه المألوف غريبا. لكن أصلان لايحكى أبدا عن انشغال ابطاله بالقضايا الوجودية الكبرى كمعضلة الموت أو العجز المصاحب لكبر السن أو عن الفراق بل تكمن عبقريته فى قدرته على كشف تجلى هذا الآنشغال فى أغرب أسئلة.
إحسان تسأل خليل “هو أنا إمبارح كنت باقول إيه ياخليل وانت رديت وقلت إيه؟
خليل سأل نفسه فجأة لماذا تضع إحسان الأرز فى قدرة الفول المدمس وليس العدس كم كانت تفعل أمه، وإحسان تعجبت من هذا الطلب بعد كل هذه السنين؟،
أستاذ خليل يقف ليسأل إمرأة إن كانت الفرخة البنى كانت عندها من أيام ماكانت كتكوت؟ وانه بيسأل لإن ” زمان ياستى، كان عندنا كتكوت بنى بنفس لون الفرخة دى، كان ضمن الكتاكيت اللى الحاجة اشتريتها علشان تربيها، الكتكوت ده خرج من البيت ومارجعش، إختفى، وانا أثناء مرورى، لمحت الفرخة البنى اللى عندك وهى فكرتنى بالكتكوت اللى خرج ومارجعش وخطر فى بالى انى أسألك”
وبينهى كلامه معاها بإنه يقول

  • “شوفى حضرتك انا ضيعت ستين سنة من عمرى على الأقل وأنا عندى أسئلة من هذا النوع نفسى أسألها ولاأقدر لإنى كنت محرج، ودى مأسآه ياهانم والدليل هو اللى حصل دلوقتى هل فيه ضرر أصاب حضرتك من السؤال؟
    -“ربنا مايجيبش حاجة وحشه”
    -“علشان كده انا قررت من ساعة وفاة الحاجة إن أى سؤال يشغل بالى لازم أسأله على طول”
    عبد العال صديق خليل بيقول له إنه كان عنده قطر بزمبلك وبيجرى وله عربيات وشبابيك وعجل صغير وإنه كان نفسه يسأل أمه عليه قبل ماتموت..
    وبعدين حكى له إزاى إن أبوه طلب من أمه تجيب له المنشار الكبير المركون ورا الباب عند أمها وإنها لما رجعت بالمنشار وجدته ميت. وإنها فضلت ٢٣ سنة تلوم نفسها انها مسألتوش كان عايز المنشار فى إيه و إنها قبل ماتموت سألت عبد العال “ماتعرفش أبوك كان عاوز المنشار ليه ياعبد العال؟”
    أسئلة أبطال اصلان بلا إجابات لإنها أسئلة الوهن والحيرة والتيه والحنين.
    فى اربعين إحسان زوجة خليل امتلأ البيت بالضجيج والنور ” والأستاذ خليل يتأمل الحاضرين ويتذكر بأن أمه ماتت، وأبوه مات وخاله مات وجدته ماتت والخولى مات وابراهيم حيدة مات ومحمد نويتو مات وفاروق نويتو مات وحسن حسين مات والشرباتى مات وعبد الرحبم مات وهانم ماتت وسعيد مات ومحاسن ماتت وسامية زوجة محسن ماتت وإحسان نفسها ماتت وقال ياترى صيام ومصطفى ونبيل مازالوا أحياء وقال لابد أن يسأل عنهم ويعرف”
    غير أن المتتالية التى بدأت بدأت بالغربة والتيه عن الذات انتهت بمنصور بائع الفول الذى عرف الكباية الألومونيا الخاصة ببيت الأستاذ خليل فعاد مع الصبى الذى حملها واعطى الأستاذ خليل الكوب الدافئ والعيش والبصل الأخضر وأعاد له الجنيهات الخمس، “المرة دى على حساب المحل”
    “عمر ياأستاذ” كانت كلمات أصلان فى آخر الرواية على لسان منصور بائع الفول.
    كأن أصلان يقول لنا أن العمر قد يكون أن تتداعى بك الحياة ولكنه أيضا أن يتذكرك الناس.
    سلام على إبراهيم أصلان الذى لن ننساه.